• الرئيسية
  • أخباره
  • السيرة
  • الفكر والرؤى
  • مؤسســــات
  • عن طلال بن عبدالعزيز
الرئيسية » فكره » مقالاته »

مقالاته

ولي الأمر بين الحاكم والعالم ولي الأمر هو الحاكم لا العالم


2002-01-29

لا يخفى على أحد أن كلاما كثيرا صار يتردد في هذه الأيام حول الدعوة إلى «تجديد الفكر الإسلامي» ولا يخفى ، أيضا ، أن احداثا عالمية جعلت البحث في الفكر الاسلامي، ومحاولة غربلة الاجتهادات المختلفة فيه أمرا ضروريا ، وقضية ملحة ينبغي الإسراع بطرحها على ساحة النقاش السياسي والثقافي في العالم الإسلامي والمنطقة العربية على وجه الخصوص .

الثلاثـاء 16 ذو القعـدة 1422 هـ 29 يناير 2002 العدد 8463

       لا يخفى على أحد أن كلاما كثيرا صار يتردد في هذه الأيام حول الدعوة إلى «تجديد الفكر الإسلامي» ولا يخفى ، أيضا ، أن احداثا عالمية جعلت البحث في الفكر الاسلامي، ومحاولة غربلة الاجتهادات المختلفة فيه أمرا ضروريا ، وقضية ملحة ينبغي الإسراع بطرحها على ساحة النقاش السياسي والثقافي في العالم الإسلامي والمنطقة العربية على وجه الخصوص .

  والحقيقة أنني أرى أن الأمة الإسلامية أحوج ما تكون هذه الأيام إلى إعادة النظر في قضايا الفكر الإسلامي، والفكر السياسي الإسلامي بشكل خاص ، ليس لأن التطورات العالمية فرضت هذا التوجه ، ووضعت الإسلام في خندق الدفاع ، وإنما لأنه ثمة حاجة ملحة ومصلحة حقيقية لنا في حسم الكثير من القضايا الخلافية التي ما زالت تؤرق ذهن الأمة الإسلامية ، والتي يؤدي استمرار الجدل والخلاف حولها الى تعطيل مسيرة النهضة ، واعاقة سبيل التقدم .

  لهذا أقول ان البحث في قضايا الفكر الإسلامي هو أمر يهمنا نحن المسلمين ، قبل أن يهم غيرنا ، وهو أمر ينبغي ان نفعله بأنفسنا ، لأنه يصب في مصلحة امتنا ، ولا ننتظر من الآخرين ان يفعلوه من اجلنا .

  وفي هذا السياق اسعدني ان اطالع منذ فترة قريبة على صفحات جريدة «الشرق الأوسط» جدلا حول موضوع من هذه الموضوعات الخلافية ، وهو : هل يمكن اعتبار العلماء (علماء الدين) أولياء للأمر؟

  وقد شئت أن أسوق للقارئ في هذا المقال بعض ارائي الخاصة ، عسى أن يسهم هذا في إثراء النقاش وتوسيع دائرة الحوار، فتعدد الاجتهادات هو أمر مطلوب ومرغوب .

  ولا اخفي على القارئ انني تعجبت كثيرا من الرأي القائل بأن العلماء يمكن اعتبارهم أولياء للأمر ، اذ انه من الأمور البدهية والمتعارف عليها ، على طول تاريخ الإسلام ، أن البيعة تؤخذ للحكام والسلاطين الذين يصبحون أولياء للأمر بمقتضى هذه البيعة ، وما سمعنا قط عن بيعة تؤخذ لعالم أو فقيه ليصبح وليا للأمر ، والأكثر من ذلك أننا ما سمعنا، ابدا ، عن أحد من «العلماء» ينادي بنفسه وليا للأمر إلا في زماننا هذا!.

  والحقيقة الثابتة ، والتي يمكن التحقق من صحتها من خلال قراءة عابرة للتاريخ الإسلامي، أن العلماء كانوا دوما ابعد ما يكونون عن المطالبة بالسلطة ، بل ان قدر العالم كان يرتفع بمقدار ابتعاده عن السلطان وازوراره عن ذوي الحظوة والنفوذ .

   وقد حفظ لنا التاريخ الإسلامي مواقف مشرفه لعلماء الإسلام الأجلاء بداية بسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومرورا بأبي حنيفة واحمد بن حنبل ومالك بن أنس والعز بن عبد السلام وانتهاء بجمال الدين الافغاني وكوكبة من علماء الأزهر الأجلاء على رأسهم الشيخ محمد عبده ترفعوا فيها عن الحكم والسلطان فما زادهم ذلك إلا رفعة واحتراما في عيون الناس.

  ولكن زماننا هذا طلع علينا بنوع جديد من العلماء .. نوع لا يكتفي بمهمة «عالم الدين» في مخاطبة ضمير أمته وتبصير أهل بلده بما لا يرونه وما يغمض عليهم من شؤون الدين والدنيا وإنما يريد أن يضيف إلى هذا كله هالة الملك والسلطان ، فيدعي دونما سند عقلي أو دليل نقلي ، أن العلماء هم أولياء للأمور.

  إن هذه الدعوى تحمل .. في نظري خلطا شديدا للأوراق، فعالم الدين في الإسلام لا يحوز سلطانا سياسيا على مواطنيه ، بكل ما تحمله كلمة «السلطان السياسي» من معاني الإكراه والإجبار، عالم الدين لا يحمل سيفا ، ولا يدير وزارة ولا يستطيع ان يزج بالمذنبين الى السجن، وانما هو يستمد سلطانه من قدرته على التأثير في المواطنين ، وكذلك من مخاطبته لولي الأمر وتبصيره بما يراه ، انه نوع آخر من السلطة يجعل «العلماء» اذا كانوا علماء حقا، أمناء على الأمة وممثلين للناس ، ولكنه لا يعطيهم ابداً سلطة سياسية لا يحق لأحد ان يدعي امتلاكها إلا ولي الأمر الذي يحوزها عن طريق البيعة بأشكالها المختلفة القديمة والحديثة، والتي تتباين وفق ظروف كل بلد ومستوى تطوره وطابع نظامه السياسي ، واضافة الى هذا كله فلا يخفى ان منح «العلماء» سلطانا سياسيا هو في الأصل .. فكرة دخيلة على الإسلام، وليس لها أدنى صلة بأحكامه وشرائعه الثابتة.

  واذا كنا نتحدث اليوم عن ضرورة اشاعة الديمقراطية والشورى في امتنا العربية والاسلامية، فإن هذا المبدأ، مبدأ ان يصبح العلماء اولياء للأمر، لا يمكن ان يخدم التطور الديمقراطي على أي وجه من الوجوه. اذ كيف نمنح سلطة سياسية لفئة لا دخل للناس في اختيارها ؟ ولا اعرف مبدأ في الاسلام يضع علماء الدين في مرتبة متميزة من الناس تبرر لهم أن يحوزوا سلطانا سياسيا بحكم كونهم علماء.

  واذا سرنا مع منطق المطالبين بأن يكون علماء الدين أولياء للأمر فسنجد انفسنا امام مفارقة غريبة، فنحن لدينا في كل بلد من بلدان الأمة الاسلامية عشرات الآلاف من علماء الدين ، فأي منهم تتم له البيعة وولاية الأمر؟! واذا سلمنا جدلا ، بأنهم جميعا أولياء للأمور، فماذا نفعل اذا اختلفت اراؤهم وتضاربت اجتهاداتهم وهذا امر وارد جدا ، بل كثير الحدوث؟! اننا سنجد انفسنا ساعتها في موقف لا نحسد عليه ، فلا نعرف أي طريق نتبع ، أو في أي درب نسير.

  إن هذه الدعوى الجديدة لا تعدو، في نظري، أن تكون ذريعة من جانب البعض لأن ينالوا سلطة سياسية ونفوذا لم يقره الإسلام لهم، ولا يبرره المنطق السليم أو الفطرة السياسية البسيطة.

طباعة الصفحة إضافة تعليق ارسل لصديق اضف للمفضلة

اضافة تعليــــق

الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
كم ناتج ضرب 5 في 3 :

ارســـال لصديـق

الاسم
البريد
عنوان صديقك
التعليق

التعليــــقات

Designed & Developed By www.csit.com.sa

2018 © جميع الحقوق محفوظة لموقع الأميـر طلال بن عبدالعزيز آل سعود