الصحة والتنمية .. العلاقة المتجذرة
التنمية معادلة دقيقة أهم مدخلاتها إعداد الطاقات البشرية لكل ما ينطوي عليه الإعداد من معان ومفاهيم ، توفير الخدمات الصحية ، والتعليم الجيد الذي يرفع سقف تطلعات أفراد المجتمع .
بقلم : صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز
التنمية معادلة دقيقة أهم مدخلاتها إعداد الطاقات البشرية لكل ما ينطوي عليه الإعداد من معان ومفاهيم ، توفير الخدمات الصحية ، والتعليم الجيد الذي يرفع سقف تطلعات أفراد المجتمع .
وإذا أحسن توظيف هذه المدخلات فإنها تدفع التنمية البشرية نحو بلوغ غايتها وتحقيق التغيير الذي ينقل المجتمع من طور التخلف ، ومن العيش في أسر قيود المرض والجهل والفقر إلى رحاب المستقبل .
وبين التنمية البشرية المستدامة وبين الصحة علاقة طردية ومركبة، فبينما الصحة من أهم القطاعات التي تستهدفها التنمية فهي من جانب آخر تعد من أهم ركائز التنمية ودعائمها ، لأن الصحة – بالدرجة الأولى – مرتبطة بالحاجة الشخصية للإنسان ، الذي هو منطلق التنمية وغايتها- ولذلك- بالضرورة - فلا تنمية في ظل غياب مقومات صحة الإنسان .
فإذا كان التعليم هو رافد التنمية ، الذي يشحذ المجتمع بالقوى البشرية المجددة، بما توفره من حماية للإنسان ، هي سياج التنمية . وهناك حقيقة ملموسة هي : "أن من هم أوفر حظاً في الصحة والتعليم يتمتعون بالقدرة على انتقاء خيارات أفضل لإغناء حياتهم" والإدارة السياسية الواعية المدركة حقائق العصر والعلاقة الجدلية القائمة بين عناصر المجتمع ومكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هي التي تضئ الخيارات التي تحقق التغيير المنشود .
ومن هنا فإن السعي لتوفير الرعاية الصحية وتوسيع مظلتها لتستوعب المجتمع بشرائحه المختلفة ، هو من المقاييس الفارقة في تقدم المجتمعات، التي تعكس سلامة الخطط ، وحسن التدبير، وتوظيف الموارد وتوجيهها لمصلحة المجتمع . ولذلك ظللنا في برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (أجفند) نولي التنمية الصحية الاهتمام الذي يليق بهذا القطاع ودوره الحيوي ، بل المحوري ، في توليفة التنمية البشرية المستدامة في المجتمع .
وقناعتنا أن الصحة مطلوبة ، ليس فقط في انتشارها وامتدادها الأفقي بما يتيح ديمقراطية الخدمة الصحية وسهولة وصولها إلى السواد الأعظم من أفراد المجتمع ، ولكنها مطلوبة أيضاً في نوعيتها ونموها الرأسي ، بما يعني الجودة التي تتحقق من خلال تأهيل الطاقات البشرية وتدريبها في مختلف تخصصات المهن الصحية الأساسية والمساعدة . فحدوث خلل في أي هذه المهن ينعكس سلباً على مجمع القطاع الصحي، بل على مسار التنمية . ولذلك فالتخطيط السليم ينبغي أن يوازن بين المهن والخدمات الصحية وبين احتياجات المجتمع ، فالأموال الطائلة التي ترصد لتشييد مستشفيات ضخمة فخمة تخدم شريحة ضئيلة بخدمات عالية التخصص ، لا يبغي أن يواجهها تقتير على مستوى الرعاية الصحية الأولية ، التي تدعم التوعية الصحية وتعزز مفهوم الصحة الشعبية . كما لا يجب أن يحوز الطب العلاجي جل الموارد بينما لا يوجه للصحة الوقائية اهتمام مواز . وفي السياق نفسه فإن خدمة أساسية مثل التمريض تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، حيث إن من الأمور اللافتة في مجتمعنا الفجوة الواسعة في توطين مهنة التمريض على الرغم من الصلة العضوية بين هذه المهنة الإنسانية وطبيعة كل مجتمع .
وهذه الرؤية للخدمة الصحية وضروراتها حاضرة في توجهات برنامج الخليج العربي (أجفند) من حيث المساهمة في دعم المشروعات التي تهدف – في المدى القصير – إلى تعميم الرعاية الصحية الأولية وتمويلها ، ونشر الثقافة الصحية في المجتمعات النامية عامة ، وفي المجتمعات العربية على وجه الخصوص ، من خلال التعامل المباشر مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ، القادرة بحكم تكوينها على إحداث تغييرات جوهرية في السلوك الصحي .
كما يسعى (أجفند) إلى تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى عبر المساعدة على صنع السياسات والخطط الصحية في المجتمعات العربية من خلال التواصل التنموي مع مراكز القرار الصحي مثل مجلس وزراء الصحة العرب ومجلس وزراء الصحة بدول مجلس التعاون الخليجي، وعبر تبني مشروعات كبرى مثل مشروع صحة الأسرة العربية ، ومشروع دراسة صحة الأسرة الخليجية. فهذان المشروعان يوفران بيانات تفصيلية عن الحالة الصحية لأفراد الأسرة ويحققان جملة من الفوائد :
- دراسة نمط الوفيات ومستوياتها في فئات العمر المختلفة، العوامل البيولوجية والبيئية والديمغرافية (السكانية) والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في صحة الأسرة من أطفال وشباب وأمهات وكبار السن ، وضع نظام معلومات متكامل عن الأسرة ، والمساهمة في تحقيق هدف الصحة للجميع عن طريق التشخيص العلمي للمشكلات العلمية في المجتمع العربي واقتراح الحلول ووضع الخطط والبرامج ، ووضع حصيلة الدراسة ونتائجها أمام وزارات الصحة والشئون الاجتماعية ومراكز البحوث الطبية والاجتماعية والمنظمات المعنية بالشئون الصحية والطبية والاجتماعية وأحوال الطفولة والأمومة والشباب والمسنين والمعوقين ، وذلك لاستخدامها وتوظيفها في تخطيط برامج الرعاية الصحية الأولية وتنفيذها ومتابعتها .
- وهكذا فإن المشروعين يضعان صورة واضحة أمام جهات التخطي والتنفيذ .
التعليــــقات