• الرئيسية
  • أخباره
  • السيرة
  • الفكر والرؤى
  • مؤسســــات
  • عن طلال بن عبدالعزيز
الرئيسية » فكره » مقالاته »

مقالاته

جامعة عربية مفتوحة .. لماذا الآن وكيف؟


1997-11-24

تدور في ذهني مجموعة من الأسئلة ، على مدى السنوات الخيرة ، لا تزال تبحث لها عن إجابة ، والإجابة المطلوبة لن أنفرد هنا بتقديمها ولكنني أدعو المختصين في مكل مجال، للإدلاء بآرائهم واجتهاداتهم حلها .

النهار والشرق الأوسط
24/11/1997م

بقلم : الأمير طلال بن عبدالعزيز

  تدور في ذهني مجموعة من الأسئلة ، على مدى السنوات الخيرة ، لا تزال تبحث لها عن إجابة ، والإجابة المطلوبة لن أنفرد هنا بتقديمها ولكنني أدعو المختصين في مكل مجال، للإدلاء بآرائهم واجتهاداتهم حلها .

  وأبرز الأسئلة التي تراودني، سؤال جوهري هو، هل نظامنا التعليمي الساري في البلاد العربية ، نظام صالح ومتقدم وديمقراطي يساعد أمتنا العربية على دخول القرن الحادي والعشرين بعقول متفتحة وعلم غزير وشباب متعلم ومثقف؟ .

  فإن كانت الإجابة بنعم ، فنحن بلا جدال نخدع أنفسنا ونتعامى عن الواقع الراهن لنظامنا التعليمي العربي ، ونصبح تماماً كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال .

  وإن كانت الإجابة بلا النافية، فإن السؤال المترتب عليها : هو وما العمل؟ كيف نحدث ثورة العلم والتكنولوجيا التي تجتاح العالم من شرقه إلى غربه؟ كيف نستفيد من التجارب الناجحة التي خاضتها دول وأمم وشعوب غيرنا، سواء تلك المتقدمة أو حتى بعض الأمم النامية، فقطعت مشواراً طويلاً في طريق التقدم بالعلم الحديث والتعليم المتقدم؟.

  ندرك جميعاً أن التعليم ليس جزيرة منفصلة عن حركة المجتمع ، بل هو نظام عضوي داخل كل مجتمع يستمد منه مدخلاته ويرفده بمخرجات سرعان ما تصبح عوامل دفع جديدة في حركة تتابعية متصلة .

  ولا شك فإن هذه الحركة تتأثر بحركة المجتمع وتطوراته وتفاعلاته في ما بينه وبين نفسه من ناحية ، وفي ما بينه وبين محيطه القريب والبعيد من جهة ثانية ، وفي هذا الإطار فإننا نلاحظ بأسى أن استجابة وطننا العربي للتحولات الكبرى التي شهدها العالم في قطاع حيوي كقطاع التعليم العالي –مثلاً – لم تكن متوافقة مع أهمية هذا القطاع ، ولم تقترب من مستويات الاستجابة التي أحدثت تغييراً ملموساً في قطاعات أخرى غير معنية مباشرة بالتنمية البشرية الشاملة والمستديمة .

  وربما يكون هذا بالتحديد ، أحد أبرز الدوافع لإطلاقنا في الفترة الأخيرة، مبادرة إنشاء جامعة عربية مفتوحة ، تلبي ليس فقط احتياجات المجتمع العربي لنظام تعليم متقدم، ولكن أيضاً تهيئ المجتمع لاستباق التغيرات الكاسحة التي بدأت تعمل عملها في العالم كله، مبشرة بحلول قرن جديد قوامه العلم المتقدم والتعليم المكثف والتكنولوجيا فائقة القدرة .

  وحتى لا نبقى خارج حركة التاريخ ، ويخدعنا واقعنا الراهن غير المبشر، يجب أن نمعن النظر ونتعمق التفكير في أساليب اللحاق بالعصر، ونعمل بجدية وروح علمية لاستيفاء متطلبات الواقع الجديد الذي يفرض نفسه علينا وعلى الآخرين ، وأن نوفر الأدوات التي تمكنا من الاستفادة بالمنجزات العصرية خصوصاً في مجال منظومة العلم والتعليم عبر ثورة التكنولوجيا الحديثة.

  وكخطوة علمية في هذا الطريق أطلقنا دعوتنا لإنشاء جامعة عربية مفتوحة ، وهي دعوة ليست منفصلة قائمة بذاتها، ولا هي بنفس القدر، مجرد انعكاس لتفكير آني أملته الظروف الضاغطة والأوضاع المتردية التي يعيشها التعليم العالي في الوطن العربي، بل أن الاهتمام بقمة الهرم التعليمي في الوطن العربي، جاء في سياق تطور منطقي لاهتمامنا بقاعدة المجتمع وأساسه ونعني الطفل العربي، الذي أوليناه على مدى السنوات الماضية اهتماماً خاصاً وتركيزاً ملحوظاً باعتبار أن واقع الطفل وحل مشكلاته وتنمية قدراته وفتح مستقبله هو قضيتنا الأولى .

  ونحمد الله أن جهودنا في هذا المجال، بتعاون المخلصين من أبناء الأمة العربية ، أثمرت مشروعات وخططاً طموحة لرعاية الطفل العربي من خلال برنامج الخليج العربي والمجلس العربي للطفولة والتنمية الذي يعد تأسيسه وانطلاق نجاحاته انتصاراً مؤكداً لقضية هذا الطفل في حاضره ومستقبله . ولقد كانت هذه الرؤية الشاملة لمستقبل الطفل العربي، هي مدخلنا الواقعي لقضية توسيع قاعدة التعليم العالي، وذلك لأننا نؤمن أن طفل اليوم الذي يخطو أولى خطواته في المراحل الأولى للتعليم، هو طالب الجامعة غداً، ومن ثم فهو مستقبل الأمة في كل حال .

  وقبل أن نتوسع في أسباب ومبررات إنشاء جامعة عربية مفتوحة، تقدم العلم الحديث بمناهجه المتقدمة وأساليبه المتطورة لكل طالب علم، وقبل أن نقفز مباشرة إلى النتائج، بدأنا بالمقدمات المنطقية والعملية، فكانت خطوتنا بتشكيل لجنة تحضيرية ضمت خبراء ومتخصصين تربويين وأكاديميين وإداريين واقتصاديين من الدول العربية المختلفة مثلما ضمت آخرين من دول أجنبية عديدة، كان لها السبق في إنشاء جامعات مفتوحة شهرية ومرموقة من بين أكثر من 800 جامعة مفتوحة في العالم اليوم .

  وعلى مدة شهور عكفت هذه اللجنة على دراسة المشروع دراسة علمية ونظرية معاً، وبلورت "رؤية" محددة الهدف من إنشاء الجامعة العربية المفتوحة، وإطار نشاطها وخطة أولية لعلمها، وأسس برامجها ومناهجها العلمي، وأساليب تواصلها مع الطلاب، ونوعية الفئات الاجتماعية المستهدفة.

  ويمكن القول أن هذه اللجنة تمكنت من بلورة مجموعة كبيرة من الأفكار، وأجابت بالتالي على الأسئلة المطروحة التي كان في طليعتها السؤال المحوري، ما هي أهداف الجامعة العربية المفتوحة؟.

  وكان الجواب هو أولاً إتاحة التعليم العالي لمن يرغب من أبناء الشعب وثانياً إعادة تأهيل المعلمين، وثالثاً تقديم برامج التدريب أثناء العمل في شتى المهن، ورابعاً تقديم برامج تحويلية للمهن وذلك لمواجهة البطالة السافرة والمقنعة، وأخيراً تقديم برامج تعليمية لخدمة قضية تطوير المجتمع .

  وكان السؤال التالي مباشرة والمترتب على الأول، وهو ما هي نوعية المناهج والمقررات التي يمكن أن تقدمها الجامعة المفتوحة، غير تلك التي تقدمها الجامعات التقليدية؟ والإجابة هي أن الجامعة المفتوحة ستعمل على تقديم: أولاً مناهج للتدريب على المهن المختلفة خصوصاً تلك المطلوبة في سوق العمل، وثانياً مناهج تؤهل للحصول على الدرجة الجامعية، وثالثاً مناهج وبرامج لتعليم الكبار وتدريبهم وتطوير قدراتهم، ورابعاً مناهج لتعليم اللغات الأجنبية، وخامساً مناهج لتعليم الكومبيوتر والتقنيات الدقيقة.

  أما السؤال المحوري الثالث، فهو هل ستكون الجامعة المفتوحة حكومية أم أهلية؟ وجاءت الإجابة القاطعة أن تتمتع هذه الجامعة باستقلالية كاملة، وأن تكون أهلية غير حكومية، حتى تعمل في حرية بعيداً عن السيطرة البيروقراطية، وحتى لا تنتقل غليها عدوى الروتين السارية على الجامعات التقليدية القائمة، وإن كان ذلك لا يمنع من وجهة نظرنا، ضرورة التنسيق بين مشروع هذه الجامعة المفتوحة وبين وزارات التعليم والجامعات التقليدية القائمة في الوطن العربي، لتبادل الآراء والخبرات والمصلحة المشتركة، مع الأخذ في الاعتبار أن الجامعة المفتوحة ليست بديلاً بأي شكل من الأشكال للجامعات القائمة، وإنما هي مكملة لها وتعمل في إطار آخر وفق رؤى وسياسات ومناهج ووسائل مختلفة لإيصال العلم الحديث إلى طالبيه حيثما كانوا، في منازلهم وأماكن عملهم .

  وجاء السؤال الرابع وهو عن نوعية المناهج التي سوف تقدما الجامعة المفتوحة، هل هي دراسات إنسانية نظرية كالآداب والفنون والتاريخ والفلسفة والجغرافيا ..الخ، أم هي دراسات علمية عملية؟ .

  وكان الجواب الحاسم ، وهو أن على الجامعة المفتوحة أن تترك دراسة وتدريس الإنسانيات للجامعات القائمة ، وتعمل هي على تقديم الدراسات العلمية والتطبيقية والتكنولوجية المتطورة ، أي علوم المستقبل ، والتي تعرف الآن بأنها أساس التقدم وجوهر التطور في عالم يقوم على ثورة العلم والتكنولوجيا .

  ويبقى السؤال الخامس ، وهو من أين وكيف ستمول الجامعة العربية المفتوحة؟ وجاء الجواب أن الأفضل أن يكون تمويلاً أهلياً من القطاع الخاص والمستثمرين، ومن التبرعات والوقفيات، إذ أن هذا المشروع بفضل استقلاليته يوفر للمستثمرين فرصة الربح المعقول من عائد مصروفات الطلاب ومن الإدارة الاقتصادية الرشيدة والأمينة للمشروع، وفي الوقت نفسه يوفر للمتبرعين وأهل الخير فرصة توجيه تبرعاتهم وأوقافهم وجهة سديدة تخدم تطور المجتمع وتنمي قدراته وتعني بشبابه وتبني مستقبله .

  وفضلاً عن هذين المصدرين الرئيسيين للتمويل ، وهما استثمارات القطاع الخاص وتبرعات أهل الخير، فإن هناك مصدرين آخرين أولهما الرسوم التي يدفعها الطلاب التي ستقرر وفق التكلفة الحقيقية للدراسة، وثانيهما الدعم الذي سنلتزم بتقديمه للمشروع من برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية .

  هكذا تبلورت الأفكار الأساسية وتشكل الإطار العام لمشروع إنشاء جامعة عربية مفتوحة، تتسع لما هو أكثر مما تقدمه الجامعات التقليدية القائمة ، وتتعمق في ما هو أبعد من شكليات التعليم العالي وشهاداته النظرية ، وتستشرف المستقبل بكل تطوراته العلمية والتعليمية الباهرة ، في عالم سريع التغير، منفتح الزوايا، واسع الرؤية.

  الآن نتعمق قليلاً في مناقشة هذا المشروع الطموح وضروراته وأهدافه ، وحين نفعل ذلك فإننا نطالب المختصين بل والرأي العام بمختلف اتجاهاته ، بالإدلاء بالرأي وتوسيع دائرة الحوار المفتوح والنقاش الموضوعي تعميقاً للبحث الجاد والمشاركة الحرة الواسعة في تأسيس هذا المشروع القومي المهم .

طباعة الصفحة إضافة تعليق ارسل لصديق اضف للمفضلة

اضافة تعليــــق

الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
كم ناتج ضرب 5 في 3 :

ارســـال لصديـق

الاسم
البريد
عنوان صديقك
التعليق

التعليــــقات

Designed & Developed By www.csit.com.sa

2018 © جميع الحقوق محفوظة لموقع الأميـر طلال بن عبدالعزيز آل سعود